التواصل العلمي ودوره في بناء الأمة

**abdelouahed** · **abdelouahed** السبت مارس 08, 2014 8:29 am

د/مصطفى بن حموش

التواصل هو إحدى أوجه التعارف الذي جعله الله إحدى غايات الخليقة. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا". و لا يكون التعارف إلا بالتواصل و الالتقاء و التبادل المعرفي. فالتواصل بين الناس من هذا الباب هو إحدى مقاصد الحياة البشرية التي خلقها الله. و قد شجع الإسلام الناس على التواصل و التعارف و فضل المسلم الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم عن المسلم الذي لا يخالط الناس. اَلْمُؤْمِنُ اَلَّذِي يُخَالِطُ اَلنَّاسَ, وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنْ اَلَّذِي لَا يُخَالِطُ اَلنَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ " أَخْرَجَهُ اِبْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.

فالتواصل هو الركن الأساسي في عملية التعارف و هو كذلك الوسيلة لنشر الخير و التعاون على البر والتقوى. و يهدف إلى تبادل المعلومات بين الناس، و كذلك تلاقح الآراء في الأمور التي تعترضهم في حياتهم و ذلك باعتبار نقص العقل البشري و عدم الكمال. إذ أنه عندما تستشير عاقلا صار عقله لك.

التواصل كذلك وسيلة لتكثيف الفعالية. فنظرة إلى التواصل العلمي في عصرنا أين يتكتل العلماء في فرق بحث و دراسات تفيدنا في مدى تسارع الاستنتاجات و الابتكارات كلما كان التواصل أقوى. ففي المدن التي تكثر فيها الكتل البشرية يكون نمو العلم و المعارف أكثر مما في القرى و الأرياف و ذلك بسبب الاحتكاك الكبير بين الناس.

نمو المعرفة و العلوم يرتبط ارتباطا وثيقا بوسائل التواصل. فقد قفزت البشرية خطوات عملاقة بفضل اكتشاف وسائل جديدة. فقد كان للآلة الكاتبة أثرها في سرعة انتشار الكتاب، ثم جاء دور الوسائل السمعية البصرية الجديدة ليفتح آفاقا جديدة أمام مجتمعات العالم لتتواصل و تتعارف فيما بينها عن طريق الصوت و الصورة. و هاهي شبكة المعلومات تزيد في التسارع المعرفي و تدفق العلوم بطريقة غير مسبوقة خلال عصرنا حيث تتضاعف كمية العلوم و المعلومات البشرية خلال عشرية واحدة متجاوزة بذلك القدرات الاستيعابية للعقل البشري.

التواصل يسمح كذلك بتصحيح المسار الفكري الفردي و الجماعي و إثارة النقد و التخطئة كما يذكرها كارل بوبر. فالإنسان العاقل بطبعه يتفحص الأخبار و الآراء و يصفيها و يمررها عبر قنوات عقله ليتأكد من صحتها و سلامتها. و رغم أن التواصل قد يؤدي كذلك إلى انتشار الأخبار الخاطئة و المعتقدات المنحرفة و الإشاعات، فإن إعمال العقل و أدوات التحقيق المنطقية تساعد على تقييم الأفكار و ضمان السلامة والصحة. "فأما الزبد فيذهب جفاء و أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" (سورة الرعد آية 13).

للتواصل أنواع:

التواصل التراكمي: و هو ما يقع بين طبقات العلماء على مختلف العصور المتلاحقة حيث توكل لبعضها البعض الرسالة بغية الاستمرار. و قد نشأت علوم تعنى بطبقات العلماء و الخطط اهتمت بمدى تلاقي الرواة و العلماء و الأخذ عن بعضهم. وقد ظهرت في المكتبة الإسلامية كتب تعنى بالطبقات و التراجم مثل طبقات ابن سعد، و الخطيب البغدادي و طبقات خليفة بن خياط و طبقات المفسرين وطبقات الرواة و غيرها. و قد كانت سنة حميدة منذ أن نشأ علم الحديث، و كذلك علم تلاوة القرءان الذي يؤخذ عن طريق السند. فالرؤية و المعاصرة كانتا إحدى شروط صحة الحديث عند البخاري و مسلم. فقد إشترط البخاري في كتابهِ أن يكون الراوي قد عاصر شيخه وثبت سماعه منه، أما مسلم ففقد اكتفي بالمعاصرة. أما الإمام مالكا فيروى أنه لم يجلس للفتوى إلا بعد أن أجازه سبعين من علماء المدينة ممن سمع منهم و سمعوا منه و تواصل معهم.

تواصل الأقران: لا يمكن للعلم أن يتقدم دون أن يتواصل علماء العصر و التخصص الواحد فيما بينهم. و ذلك فإن النمو المعرفي الذي يشهده الغرب يعود في غالبه إلى ذلك العمل الجماعي بين فرق البحث و حلقات المعرفة التي تنشأ نتيجة تواصل علماء العصر الواحد فيما بينهم. و قد أفضى هذا التواصل إلى نشأة هيئات أكاديمية تمحص الإنتاج العلمي و تخضعه للتحقيق و هو ما تقوم به حاليا معظم المجامع العلمية و المجلات المحكمة حيث تلجأ قبل نشر المادة العلمية الجديدة إلى تحكيم الأقران في المادة العلمية. و قد يؤدي ذلك إلى التقاطعات الفكرية و إذكاء النقد و ظهور الاتجاهات المختلفة و المذاهب المتعارضة نتيجة تباين الآراء مما يدفع الساحة العلمية إلى الانقسام و الاختلاف. هذا مع العلم أن من هذه الاختلافات ما يكون بدافع التحاسد بين العلماء و التنافس على الريادة و الاستئثار بالقدوة.

التواصل الهرمي: و هو ما يحدث من ارتباط بين القمم العلمية و المجتمع. فمن واجب العالم أن ينشر علمه في مجتمعه و يتصل بمختلف الطبقات الشعبية ليعمم فائدة علمه. و يقتضى ذلك إضافة جهد آخر هو تبسيط تلك العلوم و صياغتها في أسلوب سائغ للناس، إذ أن لغة الخطاب تقتضى أن يحدث العالم الناس بما يفقهون. ففي المأثور عن علي بن أبي طالب أنه قال "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله و رسوله؟" .

و في العصر الحديث سنّت النخبة في أوربا منذ سنوات 1824 تقاليد اتصال العلماء بالجمهور عن طريق تبسيط العلوم و نشر الحوليات و الموسوعات المصورة المتنوعة حول آخر الابتكارات و بأسلوب بسيط يفهمه الجمهور. و كان جهد هؤلاء العلماء يهدف إلى التركيز على توصيل أهم الأفكار العلمية و إيجاد الأسلوب المبسط الذي يفهمه الإنسان المتوسط. و من هؤلاء في فرنسا باستور 1822 و جيل فيرن 1824 و ديدرو 1797 الذي أنشأ موسوعة مبسطة للعوام. و قد كتب الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل كثيرا في أثر العلم في التقدم المعرفي للمجتمع. فتواصل العلماء مع المجتمع يزيد في الرصيد المعرفي للأفراد و يحررهم من الجهل و حتى من السلطة القهرية و الخوف بكل أنواعه. و بكل بساطة فإنه كلما كان المجتمع متعلما كان متحررا من القيود، مستعصيا على الاستعباد.

**hamou666** · **hamou666** الأربعاء أبريل 30, 2014 9:32 pm

التواصل العلمي ودوره في بناء الأمة

التواصل العلمي ودوره في بناء الأمة

رد: التواصل العلمي ودوره في بناء الأمة

Create an account or log in to leave a reply

Create an account

Log in