كيف تصبح حداثيا في بضع دقائق؟؟!

أود أن أسمع من الأعضاء البارزين في هذا المنتدى قصيدة حداثية ينشؤونها من بنات أفكارهم وخيالهم ، وقبل هذه الخطوة يستحسن أن نعرف ما الشعر الحداثي:
جاء تعريفه في الموسوعة الحرة" أنه ابن غير شرعي للشعر الغربي الحديث الذي يعتمد توجهاً فنياً خاصاً في الأداء الشعري إعتمدته جماعة من الشعراء رأت أن الشعر العربي في قوالبه الموسيقية والتعبيرية الكلاسيكية قد أدى دوره واستنفد طاقته وانتهى. فدعو إلى ترك بحور الشعر التقليدية وعروضها التي صنفها الخليل بن أحمد الفراهيدي ، وإلى الإنعتاق من كل القيود. ليس قيود البحور الشعرية والقافية فحسب وإنما من كل ما قد يوحي بأنه مجرد إمتداد للماضي"
و إليكم إخواني نموذجا منه ، يقول شاعرهم :
(( و جثث الشعراء الغرباء
سنملؤها بالحبر الأبيض و بزيت الطاحونة
و دماء خنازير الناحية القبلية
و بأسنان العرافات
و جثة أخناتون
بصوت الحيوانات ذوات الناب
و بالأدعية
وبالزيت المتساقط من أقدام وحوش متباطئة
تجد الماء ، فتسرع
تشرب منه ، و تغطس فيه
قديما كان النهر يفيض
إذا نامت فوق ذراعيه عرائس مجلوات
نحن رعاة السنبلة الذهبية
و قناديل الليل
و ثيران الأيام ... ))
هل فهمتم شيئا من هذا اللغط و اللف والدوران ؟؟!
كل ما تستطيعون فعله هو تفكيك نسقه اللفظي إلى وحدات و شرح كل وحدة على حدة ، عندئذ سترى أنه لا مجال للربط بين الكلمات ، و ستعرف أن كل ما فعله الشاعر في بناء قصيدته هو استنجاده بحيوانات أليفة ومتوحشة تارة ، ثم يضيف إليها شيئا من الحبر والزيت و الماء تارة أخرى .
بالله عليكم أين هذه الخزعبلات من القصيدة العمودية الموزونة التي طالما كانت تتراقص أنفسنا لطربها و تنتشي أرواحنا بمعانيهاوبموسيقاها ،
أجدني أحن ـ في خضم هذه المأساة ـ إلى زمن المتنبي و شعره الذي لم يجد الحداثيون إلا العفن ليناظروا به وزنه و نظمه ، بل أصبح أمثال المتنبي عندهم من الرجعيين الذين لا يعتد بنظمهم في مجالسهم الأدبية ، لنتنفس قليلا بأبيات للمتنبي :

يا مَن نُعيتُ عَلى بُعدٍ بِمَجلِسِهِ... كُلٌّ بِما زَعَمَ الناعونَ مُرتَهَنُ
كَم قَد قُتِلتُ وَكَم قَد مُتُّ عِندَكُمُ .ثُمَّ اِنتَفَضتُ فَزالَ القَبرُ وَالكَفَنُ
قَد كانَ شاهَدَ دَفني قَبلَ قَولِهِمِ... جَماعَةٌ ثُمَّ ماتوا قَبلَ مَن دَفَنوا
ما كُلُّ ما يَتَمَنّى المَرءُ يُدرِكُهُ ... تَجري الرِياحُ بِما لا تَشتَهي السُفُنُ

لن أعلق ـ هنا ـ على شعر المتنبي فهو أعمق من أن نحصي جمال معانيه و بديع وزنه ، و عقلي المتواضع لا يقوى على محاكاة نظمه ، بل كل ما أقوى عليه هو أن أزف لي و لإخواني بشرى ، و هي أننا كلنا شعراء من الآن فصاعدا إذا سرنا في درب الحداثة ، حتى البقال في دكانه يستطيع أن ينشئ لك قصيدة بناؤها من أسماء علب الطمام و قطع الحلوى و أكياس الدقيق التي يمتلئ بها محله ، و بالشعر الحداثي يفحمك النجار بأبيات لم تسمع بمثلها ينسجها بمنشاره و مطرقته و خشبه و مساميره ،
الشعر الحداثي أسهل عمل يمكنكم القيام به ، فقط أكتب كل ما يدور يدور في خاطرك ، ثم أحذف من عباراتك كل ما يجعل القارئ يفهم المعنى ، حتى أنا يا إخوتي مع هذا الجوع الذي يعصر معدتي أستطيع بالحداثة أن أعبر لكم بشي من الشعر فربما سينال إعجاب الحداثيين فأتوج بالذهب و الأوسمة في منصات الشرف ، إليكم شيئا من حداثتي :

بين ضفاف الكرز
وصحن الحوت المشوية
و قصة حبي الأبدية
مع معدتي الوردية
سالت أمعائي عسلا
وعانقتني في بستانها
شفاه اللوزالبنية
و مرارة أحشائي
رقصت طربا
لحبات التمر
العسلية .
لا تذريني جائعا
يا بيت دائي
ففي محياك شوق
لأكباد الضأن القرمزية
هذا هو لسان العرب الذي آل إلى ألسنة حداثية ، ألفاظه ترشق سمعك فتصيب عقلك بالعمى ، يجمع منه الشعراء ـ كحاطب الليل ـ ما شاؤوا من ألفاظ ومباني ثم يجعلونها ركاما لا ترى ودقا يخرج من خلاله كي تحيا نفسك به .
و أخيرا أسحب طلبي الذي تفضلت به في بداية كلامي ، و لا أرى لي ولكم حاجة في كتابة شيء من هذا الهراء و العفن الذي يجهز على العقل و يصيبه بالجنون .
بقلم الأستاذ : بوشويحة ب