مدونة بلال
معذرة أستاذي الحل خطأ
أخبرني والدي -أطال الله في عمره- أنه حين كان في الثانوية (قبل 50 عاماً)  في مدرسة رغدان الثانوية ،كان هناك شاب نابغة في الرياضيات اسمه كمال  وفي نفس الوقت كان هناك مدرس رياضيات شايف حاله كثيراً،وتعود هذا المدرس أن يسب التلاميذ بألفاظ نابية، ويوما ما دخل المدرس وكتب معادلة رياضيات على اللوح وشرع بكتابة 7 خطوات لحل المسألة،ثم قال لهم: هيا إنقلوا الحل في الدفتر…كان الطلبة قد شاهدوا الرقم الذي في الكتاب يختلف عن الرقم المقرب على السبورة، لكنهم كانوا خائفين من المدرس،وفجأة من آخر الصف وقف كمال وقال : أستاذ لو سمحت الحل خطأ…
انصدم الأستاذ راسم وكان طويلاً أشقراً واحمر وجهه، وبدأ العرق يتصبب منه إذ كيف يجرؤ أحد الطلبة على تخطيئه !!
صاح الأستاذ بالطالب : تعال يا جحش هون… مشى كمال باتجاه المدرس وتوقف أمامه،بادره الأستاذ بصفعة قوية على وجهه أطاحت به على الأرض،ثم أمره بالوقوف على الحائط مواجهاً الحائط.وأمر الطلبة بنقل الحل من السبورة.
تناول المدرس الكتاب وجلس الى الطاولة وأخذ يراجع الحل الموجود في الكتاب،فوجد فعلاً أن الرقم الموجود في الكتاب مختلف عن حله هو !! في البداية صدمته الحقيقة ثم أفاق من كبوته…كأن نوراً أصابه وأيقظه من حلم عميق .
خرج من الصف وأشعل سيجارة وطفق يفكر بعمق وبعد أن انتهى بدا كأنه قد توصل لحل،الأستاذ راسم نادى على الطالب كمال: تعال يا إبني أكتب الحل على السبورة. قام كمال وكتب الحل من خمس خطوات والرقم كان صحيحاً تماماً وليس مقرباً.
إحتضن الأستاذ راسم الطالب كمالاً ثم إعتذر له وقال للطلبة : إمسحوا حلي وأكتبوا حل كمال فهو الصحيح.
ومن يومها أصبح الأستاذ راسم محترماً مع الجميع ،يحترم عقلية الطلبة ولا يوجه لهم أي إهانات،أما كمال فقد كبر وتخرج مدرساً للرياضيات وأصبح أستاذاً مشهوراً.
المغزى من القصة عدة نقاط :
1- على المدرس أو حتى المدرب أن يحترم عقلية المتدربين الذين يدربهم أو يدرسهم، لا تستقل بهم وتعتقد أنهم لا يعرفون شيئاً.
2- توقع أن يبادلوك بحل لا تعرفه أو بمعلومات قد لا تعرفها.
3- العلاقة بين المدرس والطالب والعالم والمتعلم علاقة تبادل معرفة وخبرات.
4- شيء طبيعي جداً أن تتوقع أنهم يوما ما سوف يصبحون أحسن منك.
5- الإعتراف بالخطأ كان ولا يزال فضيلة،ولا يقلل من قيمة أي مدرس أو مدرب تنمية بشرية أن يعترف بخطأه وصواب رأي الآخرين،بل ذلك يزيد من قيمته ومصداقيته عند الآخرين.

في الواقع أردت ان أكتب هذه الكلمات بسبب أنني كنت أحضر محاضرة لأحد مدربي التنمية البشرية المشهورين،وكانت الفئة الحاضرة من الأردن هم شباب الجامعات من سن 18 إلى 23 ،وتفاجأت أن المحاضر أخبرهم بأشياء ليست صحيحة وأثناء المحاضرة ضرب بمنافسيه عرض الحائط لكي يروج لبرنامجه ،يعني كان يوجه رسالة ضمنية ان برنامجه هو المفيد والباقي مافي فايدة منها …يعني لما يكونوا سنافير طازة وجداد ممكن تمشي عليهم أي شيء ،ولا أحد ممكن يناقشك ولا يرد عليك.
و للأسف تمادى أكثر فيما بعد حين خرج تاني يوم على صفحته على الفيسبوك،ليقول عن شباب الأردن أنهم محترمين مؤدبين أدب جم !! طبعاً لاحظ أنه يقصد أنهم ما عندهم خبرة !!