لوائح وخطب قبيل الانتخابات الرئاسية

الانتخابات الرئاسية القادمة، فتحت باب سوق التصريحات، والبيانات، والجدال واللوائح، والتوقعات والترشحات، وعادت  معها إلى أسماعنا ألفاظ، التزوير، والنزاهة والشفافية و"الشكارة". وغيرها من الكلمات التي تشحن العواطف، وتقدر الفساد، وتجدد العزائم أمام المصاعب الطارئة أو التي تنتشر بشكل مألوف بين الناس.
ولقد علمتنا تجارب الانتخابات المتعددة السابقة كيفية صياغة الوعود القريبة والبعيدة، وكيفية إخفاء الأهداف الشخصية الحقيقية، وهذه مرحلة تكثر فيها اللقاءات في المطاعم والمقاهي الراقية التي تتردد عليها أفواج من القياديين للأحزاب والتنظيمات المدنية، وكل طرف من هؤلاء الخطباء يدعي امتلاك الحقيقة كاملة لا نقص فيها، وما أكثر ما يؤمن بعض هؤلاء بمبدإ: كل شيء إلينا، ولا شيء لغيرنا ولو كان ضئيلاً!
وما أشد ما يردد هذا المبدأ في اطمئنان غريب مفكرو السياسة ووضع المخططات!
إن ما يمكن أن يلاحظ من التصريحات والبيانات والجدال واللوائح والتوقعات حتى الآن؛ إنما هو الرغبة في الاستقرار التام، والإطعام من الجوع والأمن من الخوف، وإقامة سد منيع أمام ما تأتي به تصرفات الصعلكة من اعتداءات مظالم مفاجئة.
ومرحلة التحضير للانتخاب هي مرحلة قلقة تستوجب قمع العواطف التي تقود إلى الانحراف غالباً، وفتح الميدان لإنارة العقل الراجح والأخلاق الحميدة، القادرة على اختراق أحلك الظلمات من غير أن يصيبها الإعياء أو التعثر، وكل تفريط هنا في إنارة العقل، وفي المزيد من الانجازات الإنمائية، يفضي من غير شك إلى انتشار الظلام الذي يدفع إلى الضلال والندامة حينما لا يبقى أمل في تجاوز المصاعب والعراقيل الخفية، والظاهرة، والموضوعة من قوم لا يعرفون لذة العمل، والخوف كل الخوف أن تتدخل "الشكارة" في الانتخابات، ويناهض العقل ويبعد عن العملية الانتخابية، ويتركها فريسة بين أيدي أصحاب الأموال الربوية المغشوشة، ولكنها تنفع في المواقف التنافسية غير الشريفة وغير الأخلاقية. والتي تهدف إلى خداع المجتمع ومخادعة الوطن.
وهناك محاولات كثيرة لكشف طريق الصواب وإزالة العقبات عنه ومما حوله، وذلك باستخدام العقل المستنير الواضح، عوض الخضوع إلى العواطف الهوجاء والغامضة التي تنتهي إلى نتائج سليمة تدعمها الاحتياطات والعناية التامة.
 ولا يخفى على أحد أن ديننا الإسلامي الحنيف يشيد بأهمية ومكانة العقل كما تدل على ذلك عقائده وأصوله وفروعه، وما فيه من جاذبية ناصعة تجر إليها كل راغب في الاستقرار والأمن والابتهاج.. ولتوضيح الأمر ففي الآية (20) من سورة لقمان يقول تعالى شأنه:{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}، وفي الآية 22 من سورة الزخرف، يقول عز وجل:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ}، وفي الآية 269 من سورة البقرة يقول الله تعالى:{ومَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} وجاء في حديث نبوي شريف: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة" فهذا التوجيه الإسلامي الحنيف بيان توضيحي على الترابط المحكم بين العقل والفكر والعلم في مجالات الجدال والبحث والفهم والسعي إلى الإقناع فيما يعرض للمناقشة والنقد والرأي. ويقال: إن عاطفة الخوف وحكمة العقل لا يجتمعان في مكان واحد، والتقدم في كل إنجاز يعني التغلب على المخاوف كيفما تكن أنواعها ومصادرها.
 ويقدم زعماء الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية والاجتماعية مشكلات تثير مخاوف الناس من النقائص، بل الاعتداءات على الحقوق، ثم يعرضون أنفسهم على أنهم حماة لهؤلاء الخائفين، وهناك ملاحظة تبين أن قوة تأثير الانفعالات على العقل أشد من تأثير العقل على الانفعالات، ولاسيما انفعال الخوف، والاعتماد الدائم على انفعال الأوهام، لا ينبغي أن يطغى على الحيوية والوضوح في أحاديثنا مع بعضنا فيما نواجه من خيارات ومعضلات، ولو كانت من نوع سحاب فصل الصيف العابر بسرعة في السماء. وما دامت الأمية المتفشية في المجتمع لمنع سهولة استخدام العقل كأداة لعرض وفحص الأفكار والآراء والسياسات المتبعة ميدانيا، ولعل من الحسنات الواقعة أننا ما زلنا لم نصل إلى مستوى استبدال العقل بالمال، والثورة بالسلطة، مثلما يحدث في دول عديدة تعب المصلحون فيها من المطالبة المتواصلة بإصدار قوانين ولوائح تحذر من قدرة المال على غرس الفساد، وتجرم ألوانا من الفساد. ومهما يكن من أمر فالعقل يبقى قوة رائعة تنبه على رياح الفساد المهلك، وعواصف الثروة، وخاصة، الآتية من غير عمل وبدون تعب وكما يقع حاليا عندنا، وفي صورة مرئية للنابهين، ولتكن الانتخابات هدفا بعيداً عن المال والفساد والتزوير والغش، إنّه أمل الجحيم.
منقول