الجهل عدو صاحبه

**abdelouahed** · **abdelouahed** الأحد يناير 12, 2014 6:21 pm

تذكّرت عبارة قالها الرئيس التونسي الراحل " الحبيب بورقيبة" لأحد مساعديه في الأيام الأولى للاستقلال، عندما قرّر بورقيبة أن تكون أعلى ميزانية بين الوزارات هي ميزانية التربية والتعليم، المستشار قال لبورقيبة " سيدي الرئيس ميزانية التربية والتعليم تكلّفنا الكثير وأنت تعلم الوضع المالي للبلاد " فرد بورقيبة قائلا "آه لو تعلم كم سيكلفنا الجهل".

إنها حكمة أحد رجالات الدولة العرب الكبار، لقد كان بورقيبة يعلم جيدا ما مدى أهمية وزارة التربية والتعليم وما مدى أهمية تدريس الأجيال المقبلة وتسليحها بالعلم فعندما تحكم مجتمعا جاهلا فإن الفاتورة ستكون أغلى وأكبر وصدق الأولون عندما قالوا " قد يفعل الجهل بصاحبه ما لم يفعله العدو في عدوه" .

في الجزائر وبعد ما قامت به الدولة في السبعينات وبعد سياسة دمقرطة التعليم وتعميم الجامعات والمعاهد على مستوى مختلف المناطق والإصلاحات التي تمت مباشرتها، تم إهمال القطاع والتخلي عن تلك الإنجازات ليصل مستوى التعليم في التسعينات إلى أدنى المستويات ويواصل بعدها التهاوي ليصل إلى ما وصل إليه اليوم من انحطاط وضعف وأصبحت الجامعة الجزائرية في تخريج أصحاب شهادات ليسانس بمستوى ابتدائي، أما التسرب المدرسي ومغادرة المدرسة في سن مبكرة فباتت موضة في المجتمع الجزائري وأصبح لسان حال الشباب يقول " لي قراو واش دارو فيها".

لاشك أن الدولة تضخ أموالا طائلة سواء في المدارس أو المعاهد والجامعات لكنها أموال تذهب في غير محلها ولا تستغل كما يجب، كما أنها تبقى غير كافية فإذا أردنا أن ننهض بمستوى المدرسة الجزائرية فيجب أن ندفع الكثير، وأن نبتكر طرق تسيير عصرية تمكن من استثمار تلك الأموال في مجالات تعليم تخدم تطور المجتمع،

لقد أصبحت الدراسة والنجاح لا معنى لهما في بلادنا وأصبحت الشهادات تباع وتشترى ويطلبها أصحابها للتباهي ليس إلا، لقد أهملت الدولة القطاع ولم يعد يهمها سوى حسابات وأرقام موجودة على ملفات الوزراء المتعاقبين ينشطون بها الدخول المدرسي أو الجامعي، ومع كل دخول مدرسي تعود مسألة الاكتظاظ لتطرح من جديد وكأن الجزائر بلد متخلّف غير قادر على توفير مقاعد دراسية إضافية أو بناء مدارس جديدة، وبمجرد نهاية الحديث عن الاكتظاظ يطفو على السطح مشكل التدفئة في الأقسام ثم بعد المدارس عن بعض القرى والمناطق النائية، إنها أمور تثير الغثيان في بلد يملك أكثر من مائتي مليار دولار كاحتياطي صرف وليس عليه ديون. لكن المسؤولين عندنا على ما يبدو اختاروا طريقهم فعوض الاستثمار في الوسائل والنظم التربوية وإعداد جيل متعلم فضلوا صرف الأموال بتوزيعها على شباب متسرب من المدارس.

للتذكير فقط في فرنسا ورغم ثقل عبئ الأزمة الاقتصادية وتداعياتها، إلا أن ميزانية التعليم لازالت أعلى ميزانية وتم اتخاذ قرار توظيف أكثر من ستين ألف شخص في القطاع رغم أن البطالة بلغت مستويات قياسية. هذه رسالة مجتمع لا يريد أن يسقط في غياهب الجهل ويعرف جيدا أنه عندما ينزل مستوى التعليم فذلك يعني بداية الانحطاط والسقوط، ونحن في عصر صراع الأفكار والمعلومات وليس صراع الأبدان والآلات.

صحيح أن الجزائر تعيش أزمة سياسية وصراعا على السلطة يستمر منذ الاستقلال حتى لا نقول منذ مؤتمر الصومام، إلا أن هذه الأزمة لا تساوي شيئا مقابل ما أنجبته من أزمة أخلاقية وضعف مستوى التعليم وتقهقر مستوى التلميذ الجزائري والطالب الجزائري والإطار الجزائري، لقد خسرت السلطة في الجزائر معارك عديدة لكن أكبرها هو معركة المدرسة الجزائرية هذا إذا سلمنا بأن ذلك لم يكن مقصودا، لأن الكثيرين يعتقدون بأن النظام أراد تجهيل الشعب ظنا منه أن ذلك يسهل السيطرة عليه والواقع أن الجهل عدو للجميع وخير لك أن تحكم شعبا متعلما متربيا من شعب همه الوحيد الاستجابة لحاجياته البيولوجية

المصدر : جريدتي.

الجهل عدو صاحبه

الجهل عدو صاحبه

Create an account or log in to leave a reply

Create an account

Log in